القنوط واليأس
الثلاثاء، 6 ديسمبر 2016
اليأس من رحمة الله.. معناه وصوره
ماهو اليأس من رحمة الله ؟ وماهي صوره ؟ وهل
التشاؤم بغير شيء وإنما توقع المصيبة كفر ؟ وإذا كانت الظروف تدل على وقوع
الشيء المحزن يعتبر ذلك تشاؤما ؟ مثلا لم أدرس جيدا وتوقعت أن لا أحصل على
علامات جيدة، هل يعتبر هذا تشاؤما ويأسا من رحمة الله ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن اليأس من فضل الله ورحمته معصية قد يصل الحال أن يكون كفرا إذا أدى إلى إنكار سعة رحمة الله تعالى كما مر بيانه في الفتوى: 113961.
فقد قال الطحاوي في عقيدته: والأمن والإياس ينقلان عن ملة الإسلام وسبيل الحق بينهما لأهل القبلة. اهـ.
يعني
بالإياس الإياس من رحمة الله، ومعناه هنا: انقطاع الرجاء والطمع في حصول
رحمة الله بالكلية، وإلا فلو بقي معه أصل الرجاء لم يكن كفرا مخرجا من
الملة، بل هو كبيرة من الكبائر، فلا بد من ضابط للفرق بين اليأس الذي هو
كفر واليأس الذي هو كبيرة
ولذلك قال الشيخ صالح آل الشيخ في (شرح الطحاوية): ومن
المهم معرفة هذا الضابط؛ لأنه هو نكتة المسألة وعُقْدَتُها، وهو: أنَّ
الأمن يكون كُفْراً إذا انعدم الخوف، واليأس يكون كُفْراً إذا انعدم
الرجاء، فمن لم يكن معه خوف من الله عز وجل أصلاً - يعني أصل الخوف غير
موجود- فقد أَمِنَ فهو كافر، ومن لم يكن معه رجاء في الله عز وجل أصلاً فقد
يئس من روح الله فهو كافر .. الأمن لأجل عدم الخوف، واليأس لأجل عدم
الرّجاء، فمن كان عنده خوف قليل ويأمن كثيراً فإنه من أهل الذّنوب لا من
أهل الكفر، فإن لم يكن معه خوف أصلاً فإنه كافر بالله عز وجل، كما قال هنا:
"يَنْقُلَانِ عَنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ" أما أهل التوحيد، أهل الذنوب من
أهل القبلة، فإنهم بِقَدْرِ ما عندهم من الذّنوب يكون عندهم أَمْنْ من مكر
الله عز وجل ... وكذلك في اليأس من رَوحِ الله يغلب على المرء الموحّد
تارةً أنه ييأس إذا نظر إلى ذنبه، أو نَظَرَ إلى ما يحصل في مجتمعه أو ينظر
إلى ما قضى الله عز وجل في هذه الأرض وعلى أهلها من الشرك مثلاً أو من
الذنوب أو من الكبائر أو من القتل أو من الفساد، فيأتيه اليأس، فإنْ غَلَبَ
عليه اليأس بحيث انعدم الرجاء لنفسه أو للناس فإنه يكفر بذلك. أما إذا
وُجد عنده اليأس ووُجد عنده رجاء فإنه لا يخرج من الملّة. اهـ.
وأما صور اليأس فكثيرة، جاء في (الموسوعة الفقهية): اليأس
قد ينضم إليه حالة هي أشد منه، وهي التصميم على عدم وقوع الرحمة له، وهذا
هو القنوط، بحسب ما دل عليه سياق الآية: { وإن مسه الشر فيئوس قنوط } وتارة
ينضم إليه أنه مع اعتقاده عدم وقوع الرحمة له يرى أنه سيشدد عذابه
كالكفار. وهذا هو المراد بسوء الظن بالله تعالى. وقد ورد النهي عن اليأس من
الرزق في مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم لحبة وسواء ابني خالد: "لا
تيأسا من الرزق ما تهزهزت رءوسكما".
وورد
النهي عن القنوط بسبب الفقر والحاجة أو حلول المصيبة في مثل قوله تعالى: {
وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم
يقنطون *أولم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم
يؤمنون }.
وورد
النهي عن اليأس من مغفرة الذنوب في قوله تعالى: { قل يا عبادي الذين
أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه
هو الغفور الرحيم } فإن الله تعالى لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، فرحمته وسعت
كل شيء. ومن أجل ذلك فالإنابة إلى الله تعالى مطلوبة، وباب التوبة إليه من
الذنوب جميعا مفتوح للعبد ما لم يغرغر، أي حين ييأس من الحياة. اهـ.
وأما
التشاؤم فقد سبق لنا بيان معناه وحكمه وأنواعه، وبيان ما هو منها كفر أكبر
وما هو منها كفر أصغر، في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 14326 ، 29745 ، 124253 ، 11835.
وليس
من التشاؤم ولا من اليأس أن يتوقع المرء المصيبة بسبب دلالة الأحداث
والقرائن ووجود الأسباب المؤدية إليها، بل ذلك من الحكمة والتعقل، ولا
يتعارض هذا مع كون الإنسان في هذه الحال موصول الرجاء، وموفور الأمل، بحصول
رحمة الله وفضله وعافيته، مما يدعوه للسعي والأخذ بأسباب الفلاح والنجاح،
والتخلص والفرار من أسباب الفشل والخسران. ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على
الفتويين: 44824، 35559.
والله أعلم.
هل يعد القنوط من رحمة الله كفرا ؟؟
اذا قنط احد من رحمة الله فهل سيكون كافر كما فى الآية 87 من سورة يوسف ؟
الجواب:
الحمد لله:
قال الله تعالى : ( إنَّه لا ييأس مِن روح الله إلا القومُ الكافِرون) يوسف / 87
وقد دلَّت هذه الآيةُ الكريمةُ على أنَّ اليأسَ والقنوطَ مِن رحمة الله تعالى مِن صفات القوم الكافرين، ولا يلزَم مِن هذا أنَّ مَن اتَّصفَ بصفةٍ مِن صفاتهم أن يكون كافرًا مثلهم.
واليأس والقنوط مِن رحمة الله تعالى قد يكون كفرًا يخرج مِن مِلَّة الإسلام، وقد يكون كبيرةً من الكبائر.
والضَّابِط في ذلك: أنَّ اليأس إذا انعدمَ معه الرَّجاء في رحمة الله تعالى وفرجه وعفوه -له أو للنَّاس-، وكان إنكارًا واستبعادًا لسَعَة رحمته سبحانه ومغفرته وعفوه فهو كفرٌ؛ لأنَّه يتضمَّن تكذيبَ القرآن والنُّصوص القطعيَّة، وإساءة الظَّنِّ بربِّه تعالى؛ "إذ يقول - وقوله الحق -: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) [الأعراف: 156] وهو يقول: لا يغفِر له! فقد حجَّر واسعًا. هذا إذا كان معتقدًا لذلك"؛ كما قال الإمامُ القرطبيُّ -رحمه الله- في «تفسيره» (5/ 160).
أما إن كان لاستعظام الذَّنوب ، واستبعاد مغفرتها والعفو عنها، أو بالنَّظَر إلى قضاء الله وأموره في الكون -كاليأس في الرِّزق والولد ونحوه-، مع عدم انعدام الرجاء؛ فهذا كبيرةٌ مِن أكبر الكبائر ولا يكون كفرًا. وقد عُدَّ من الكبائر -بالإجماع-؛ لما وردَ فيه مِن الوعيد الشديد؛ كقوله تعالى: (إنَّه لا ييأس مِن روح الله إلا القومُ الكافِرون) [يوسف: 87]، وقوله سبحانه: (ومَن يقنَط مِن رحمة ربِّه إلا الضَّالُّون) [الحِجر: 56]. والله أعلم.
وينظر للاستزادة : «تفسير القرطبي» (5/ 160)، و«الزواجِر عن اقتراق الكبائر» لابن
حجر الهيتميّ (الكبيرة الأربعون)، و«شرح العقيدة الطحاوية» للشيخ صالح آل الشيخ (
1/ 552)، و«الموسوعة الفقهية الكويتية» (7/ 200).
والله أعلم
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)